حِينَ تَجَلَّى لِي وَجْهُكِ البَاكِي ذَاتَ شَوْقٍ بَدْرًا عَلَى صَفْحَةِ غَدِيرِ حُلُمٍ عَابِقٍ لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّ العَفْوَ سَيَسْبِقُ صَفْحِي عَنْ كُلِّ زَلاتِكِ الصَّغِيرَاتِ ؛ أَوْ لَعَلَّهَا تَصَاغَرَتْ فِي خَاطِرِي أَمَامَ جَلالِ قَلْبِكِ الـمَلائِكِيِّ كَرِيمِ الرِّفْدِ عَظِيمِ الوُّدِّ عَمِيمِ الوَفَاءِ. وَبَقِيتُ وَالذِّكْرَى تُؤْنِسُنِي بِطَيْفِكِ الـمُرَفْرِفِ فَرَاشَةَ تَوْقٍ حَوْلَ وَهَجِ الرُّوحِ الوَادِعَةِ بِيَقِينِ الثِّقَةِ بِكِ وَبِأَنِينِ اللَحَظَاتِ الحَالِمَةِ إِلَى لِقَاءٍ.
عَظِيمٌ هُوَ الحُبُّ ، وَأَعْظَمُ مِنْهُ الهَنَاءُ فِيهِ وَالتَّنَعُّمِ بِمَا يَهَبُ النَّفْسَ مِنْ سَكِينَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ. يَنْسُجُ مِنْ حَرِيرِ الحُنُوِّ شَالَ دِفْءٍ يُوَشِّي الـمَشَاعِرَ بِزُمُرُّدِ الحَنِينِ ، وَيَغْرسُ مِنْ خَرِيرِ الصَّفْوِ أَزَاهِيرَ ذَاتَ بَهْجَةٍ وَبَسَاتِينَ ذَاتَ ظِلٍّ وَثَـمَرٍ.
وَإِذْ سُقْتِ لَفْحَةَ الغَيرَةِ دَلِيلًا عَلَى الحُبِّ وَبُرْهَانًا ، وَخَدَشْتِ بِأَظْفَارِهَا بِلَّوْرَةَ الوُّدِّ الصَقِيلةِ فِي القُلُوبِ ، وَأَرْهَقْتِ بِنَزَقِهَا رِحْلَةَ العُمْرِ الـمُسَافِرِ إِلَيكِ يَسْتَحِثُّ هَوْدَجَ الوَقْتِ بِسَوطِ التَّوْقِ وَبِصَوتِ العِشْقِ السَّاجِي عَلَى وَجْهِ الأَمَلِ. وَالغَيرَةُ يَا حَبِيبَةُ لَيْسَتْ عَذَابًا وَاحْتِرَابًا وَإِنَّمَا رَحْمَةٌ أَلْقَاهَا اللهُ فِي القُلُوبِ، وَزَكَّاهَا عَن الخَطَلِ وَالخَذلِ أَنْ تُرْتَكَبَ بِاسمِهَا تِلْكَ الذُّنُوبِ. الغَيرَةُ فِي أَمْثَلِهَا إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى الذَّاتِ أَنْ تُعَابَ أَوْ أَنْ تُرَابَ أَوْ أَنْ تُصَابَ ؛ فَيَكُونَ الاجْتِهَادُ فِي إِصْلاحِ النَّفْسِ وَتَهْذِيبِهَا لِتَسْمُوَ فَوقَ غَيرِهَا رِفْعَةً وَسُلُوكًا. وَالغَيرَةُ إِنَّمَا تَكُونُ لِلحَبِيبِ إِيثَارًا وَاعْتِبَارًا وَانْتِصَارًا ، فَإِنْ هِيَ تَعَدَّتْ لِتُصبِحَ عَلَى الحَبِيبِ غَدَتْ أَثَرَةَ تَمَلُّكٍ وَتَسَلُّطٍ ، وَبَاتَتْ دَلِيلَ حُبٍّ غَالِبٍ لِلنَّفْسِ ، وَاهْتِمَامٍ بَالِغٍ بِالذَاتِ ، وَاضْطِرَابٍ فِي الـمَعَانِي وَالـمَعَايِيرِ التِي قَدَّرَهَا الـخَالِقُ نَامُوسَ حَيَاةٍ.
حُبٌّ بَيْنَنَا وَلا حَرْبٌ ، وَالْتِزَامٌ بِنَا مَهْمَا اشْتَدَّ كَرْبٌ ، وَلَيْسَ ثَـمَّةَ إِلا احْتِوَاءٌ وَاجْتِبَاءٌ ، وَعِتَابٌ وَاسْتِرْضَاءٌ. هَكَذَا شَأْنُ الـمُحِبِّينَ لا يَنْفَكُّ يَدْفَعُهُمْ الارْتِيَابُ لِنَزَقٍ ، وَيَلفَحُهُمُ الغِيَابُ بِقَلَقٍ ، وَيَؤُزُّهُمْ العِتَابُ بِفَرَقٍ ، وَتَبْقَى الـمَشَاعِرُ فِي القُلُوبِ سَوِيَّةً بَـهِيَّةً نَقِيَّةً وَفِيَّةً. وَإِنِّي أُحِبُّكِ بِأَحْلامِ عُمْرِ انْتِظَارِكِ التِي أُتْرِعَتْ بِالصَّبِّ ، وَبِأَيَّامِ عُمْرِ احْتِوَائِكِ التِي ضَمَّتِ القَلْبَ لِلقَلْبِ بِرِبَاطٍ وَثِيقٍ.
وَامِقٌ أَنَا غَيرُ آبِقٍ وَلا مُفَارِقٍ فَلا تَجْزَعِي إِذَا طَافَ عَلَينَا طَائِفٌ مِنْ كَدَرٍ ، وَلا تَقْذِفِي الفُؤَادَ بِأَدْرَانِ الـخَطِيئَةِ كُلَّمَا هَزَّكِ الوَجْدُ بِحَدِيثٍ خَبِيثٍ أَوْ بِظَنٍّ حَثِيثٍ أَوْ بِنَابِ تَأْوِيلٍ نَفِيثٍ.
وَعَاشِقٌ أَنَا غَيرُ رَاشِقٍ ، فَتَعَالَي نُعَانِقُ النَّشْوَةَ رَبِيعَ فَجْرٍ دَائِمٍ ، وَنَرسمُ عَلَى جَبِينِ القَمَرِ أَسَارِيرَ دَهْشَةٍ وبَهْجَةٍ ، فَلَيسَ أَجْمَلُ مِنْكِ عِنْدِي رَقِيقَةً نَقِيَّةً ؛ أُغَازِلُكِ فَيَبْتَسِمُ الخَفَرُ فِي دَمْعِ العَيْنِ بَـهِيًّا ، وَيَنْضُجُ التُّفَّاحُ فِي صَحْنِ الخَدِّ شَهِيًّا ؛ أُشَاغِلُكِ فَيُدَاعِبُ نَسِيمُ الدَّلالِ جُفُونَكِ ، وَيُضَاحِكُ يَاقُوتُ اللَّمَى لالِئَ الحُسْنِ فِي الثَّغْرِ الرَّطِيبِ. وَأَقْبِلِي ؛ إِنَّ فِي العُمُرِ بَقِيَّةً تَسْتَحِقُّ ، وَفِي فَضَاءَاتِ الوُّدِّ العَامِرِ مَا يُقِيمُ عَلَى قِمَمِ السُّرُورِ حَدَائِقَ مِنْ جَذَلٍ وَنَـمَارِقَ مِنْ أَمَلٍ وَعَرَائِشَ مِنْ وِئَامٍ وَاحْتِرَامٍ.
حروف ملأت عيون الذائقة بماء الفرح تتناغم مع خرير المشاعر المنساب من قلب الحب السرمدي .. تقديري الجم استاذي الجليل
بورك حسك النابض وذائقتك الراقية.