أدبنثر

شوقي أكثر

كَمْ هُوَ عَجِيبٌ حَالُ الـمُحِبِّينَ! لا يَزَالُونَ فِي وِفَاقٍ وَتَـمَامِ اتَّفَاقٍ عَلَى كُلِّ مَا يَكُونُ مِنْ أُمُورٍ الـجَلائِلِ مِنْهَا وَالدِّقَاقِ. يَسْتَهِمُونَ فِي ذَاتِ الرَّوْحِ ، وَيَسْهمُونَ فِي ذَاتِ الدَّوْحِ ، وَيَسْتَلْهمُونَ مِنْ ذَاتِ البَّوْحِ ، حَتَّى إِذَا بِلَغَ نَصِيبُ الـحَدِيثِ نِصَابَ الشِّغَافِ وَوَجَبَتْ عَلَى الـمَشَاعِرِ زَكَاةُ اعْتِرَافٍ ارْتَدَّ عَنْ شَرْعِ ائْتِلافِهِمَا عَرْشُ اخْتِلافِهِمَا ، وَنَكَصَ الرِّضَا عَلَى عَقِبَيهِ يَتْبَعُ خَطْوَ كُلَّ ذِي عِوَجٍ مِنْ عَيْنٍ وَقَافٍ ؛ كُلٌّ يَزْعُمُ بِأَنَّهُ فِي رِيقِ العِشْقِ السُّلافُ وَفِي عَرِيقِ الشَّوْقِ اللُؤْلُؤُ وَالأَصْدَافُ.

وَلَئِنْ كَانَ فِي مِعْيَارِ العِشْقِ وَالشَّوْقِ بَعْضُ اخْتِلافٍ فَلَيسَ فِي اعْتِبَارِ الصِّدْقِ وَالذَّوْقِ ثَـمَّةَ خِلافٍ ؛ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مُـحِبٍّ يَرَى بِعَينِ قَلْبِهِ وَيَقْضِي بِحُكْمِ إِحْسَاسِهِ ، وَيَسْعَى أَبَدًا إِلَى تَـمَامِ العَطَاءِ وَإِكْرَامِ الصَّفَاءِ وَالتِزَامِ الوَفَاءِ. وَإِنَّ كُلَّ مُـحِبٍّ لأَحْرَصُ عَلَى حَبِيبِهِ فِي حُضُورٍ وَفِي سُرُورٍ وَفِي ظُهُورٍ خَلا المَشَاعِرِ ، فَهُوَ لا يَنْفَكُّ يُنَافِسُهُ فِيهَا مُنَافَسَةَ الشَّمْسِ لِلقَمَرِ أَيُّهُمَا فِي الحِسِّ أَسْبَقُ وَأَبْهَرُ ، وَمُنَافَسَةَ النَّرْجِسِ لِليَاسَمِينِ أَيُّهُمَا فِي النَّفْسِ أَعْبَقُ وَأَزْهَرُ.

مَا أَوْحَشَ شَاطِئَ القَلْبِ الـمُغْرَمِ حِينَ تَعْصِفُ بِهِ أَنْوَاءُ الشَّوْقِ كُلَّ مَسَاءٍ ؛ تَرْتَطِمُ بِإِسْفَنْجِ شِغَافِهِ أَمْوَاجُ الفَقْدِ لاهِبَةً صَاخِبَةً بِـهَدِيرِ اللَّهْفَةِ الـهَارِبَةِ ، وَتَسْرِي فِي رِمَالِهِ السَّاهِيَةِ رَعْشَةٌ بَارِدَةٌ مِنْ مَوْجَةٍ جَارِفَةٍ إِثْرَ مَوْجَةٍ جَارِفَةٍ ، وَبَقَايَا مِنْ هَسِيسِ مَاءِ الوَحْدَةِ الـمَالِحِ فِي أَذُنِ حَبِيسِ الوَقْتِ الكَالِحِ. وَدَمْعَةٌ عَلَى خَدِّ فُؤَادٍ فَارِغٍ لَمْ يَهُزَّهُ يَوْمًا أَمْرٌ مِثْلُ انْحِنَاءِ خَرِيفِ نَخْلٍ عَلَى عُشْبِ رَبِيعٍ ، وَمِثْلُ انْتِحَاءِ زَيْتُونَةِ دَهْرٍ عَلَى قَارِعَةِ الإِهْمَالِ وَالتَّهْمِيشِ.
هُنَا أَتَّـخِذُ مِنْ تَعَلُّقِي بِكِ مُتَّكَأً ؛ هُنَا حَيثُ أَبْنِي بِحُلُمِ الِلقَاءِ بِكِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جَنَّةَ انْتِظَارٍ وَارِفَةَ الظِّلالِ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا أَنْهَارُ أَلَـمٍ وَأَمَلٍ ، وَيُحَلِّقُ فِي أُفُقِهَا الفَسِيحِ نَوَارِسُ يَقِينٍ كُلَمَّا أَزَّهَا بَرْزَخُ الرِّيحِ صَاحَتْ مِنْ لَوْعَةِ الرُّوحِ ، وَعَصَافِيرُ حَنِينٍ كُلَّمَا هَزَّهَا الوَجْدُ غَنَّتْ بِلَحْنِهَا الـمَلائِكِيِّ فِي أَيْكِ القَلْبِ قَصَائِدَ شَوْقٍ لِلقَمَرِ.

أَجَلْ ، إِنَّ حُبِّي أَكْبَرُ ، وَإِنَّ شَوْقِي إِلَيْكِ يَكُونُ أَكْثَرَ ، وَإِنَّ كُلَّ مَا فِي هَذِهِ الغُرْبَةِ الـحَدْبَاءِ الـمُمْتَدَّةِ مِنْ دَهَالِيزِ وَحْشَةِ الـمَكَانِ إِلَى أَخَادِيدِ دَهْشَةِ الزَّمَانِ يَقُودُنِي إِلَيكِ – فِي كُلِّ حِينٍ – وَطَنًا لا أسْتَبْدِلُهُ بِكُلِّ أَطْيَافِ النَّعِيمِ ، وَسَاعَةَ أَرَاكِ وَلا أَجِدُكِ أَشْتَكِي إِلَى الرَّحْمَنِ لَوْعَةَ الـحِرْمَانِ وَأُطْرِق فِي صَمْتٍ مُوْغِلٍ وَأَنِينٍ مُذْهِلٍ. وَأَبْتَسِمُ ؛ وَقَدْ حَاكَ فِي النَّفْسِ إِثْـمُ اللُّجُوءِ العَاطِفِيِّ إِلَيكِ وَوَهْمُ النَّهْلِ مِنْ سَرَابِ العِشْقِ الذِي كُلَّمَا تَدَانَـى إِشْفَاقًا تَنَاءَى رِقْرَاقًا ، ثُمَّ أَشْعَلَ ذُبَالَةَ القَلْبِ بِالأَنِينِ.

وَأَنَا لا أَزَالُ هُنَا أَمَامَكِ ؛ أُمَارِسُ فِي حَضْرَةِ الـجَفَافِ طُقُوسَ ابْتِهَالٍ لِلغَيثِ وَالـمَطَرِ ، وَأُؤَدِّي فِي رِحَابِ العَفَافِ صَلاةَ اسْتِسْقَاءٍ بِدِفْءٍ يُذِيبُ جَلِيدَ بَرَارِي صَبْرِي وَقِفَارِ دَهْرِي ، وَبِرِفْقٍ يُحْيِي كَانُونَ عُمْرِي بِنِيسَانِ حَنَانِكِ وَزُهُورَ أَحْلامِي بِعَبِيرِ أَيَّامِكِ. أَنَا لا أَزَالُ هُنَا ؛ أَنْسُجُ مِنْ حَرِيرِ تَوْقِي إِلَيكِ عَبَاءَةً تُزّيِّنُ جِيدَ بَسْمَتِكِ ، وَمِنْ وَثِيرِ حِرْصِي عَلَيكِ مِلاءَةً تُدَّفِئُ صَدْرَكِ وَتُدَثِّرُ ظَهْرَكِ. أَنَا لا أَزَالُ هُنَا ؛ أُطَرِّزُ مِنْ جَواهِرِ اللُغَةِ ثَوْبَ خُلْدٍ لَكِ لا يَبْلَى ، وَسَأَظَلُّ – مَا عِشْتُ – أَبْـحَثُ عَاكِفًا عَنْ كُلِّ سَبِيلٍ يُوْصِلُنِي إِلَى مَدَارِ هَنَاكِ ، وَعْنْ كُلِّ دَلِيلٍ يُرْشِدُنِـي إِلَى مُسْتَقَرِّ رِضَاكِ.

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. وكتبت .. كتبت على
    أشجار الياقوت
    يا سيدي بركان المسكِ
    كتبت مشاعر ما
    بعدَ الجمال.. إنه نعيم سدرة منتهاك
    وَجلسنا..
    في مدن زهوها ونداها
    ياالمدهش …الضوء يُذهلنا
    وكأننا ..في مسرح هيولى دندنة عودٍ يتشاجن مع رهام العطر
    يا المدهش ..رضابُ شرابك أعطشني..
    ِ ..لإياب كي أحيا..
    بين بازغات ِِ نورك
    وسقسقة وجودي ..

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى