أدبد. سمير العمريلغةنقد

مقالة في الشعر

تقديم

لعل قضية تعريف الشعر هي من أكثر ما شغل أذهان الأدباء والنقاد وكل مشتغل بالأدب مهتم به حتى لكأن لكل أديب “تعريفه” الخاص ، بل وحتى للعوام اجتهادات في تعريف الشعر تتباين بين من يراه قيمة عليا للبيان وبين من يراه تهريجا ولغطا وذهولا. وللحق فكلهم على حق وكلهم لهم الحق في أن يعرفوه أو “يُعرِّفوه” بالشكل الذي يروق لهم ولكن رأيا وليس رصدا. أنا شخصيا لي في هذا المجال عدة “تعريفات” وليس “تعريفا” واحدا لعل أدقها رؤيتي للشعر بأنه غاية الفكر في غياية الشعور.

أما ما يفعله الجميع فهو رأي أو رؤية ذاتية للمفهوم الشعري لديهم غير مدركين أن المفهوم لا يرصد أو يحدد المدلول ، وأنه إن عبر عن الكنه فإنه لا يعبر عن الكينونة. وهنا يقع الخطل واللغط في الإدراك الحسي والمعنوي للشعر بالخلط بين الدلالة والمفهوم. ولأن الشعر هو قيمة كبرى وركيزة أساسية في الأدب العربي ويشكل أهمية خاصة في الوجدان العربي ناهيك اعتباره “ديوان العرب” واعتماده مرجعا تاريخيا وأدبيا ولغويا بل وفكريا فقد رأيت أن أفرد مقالة في الشعر أبين فيها ما أراه حقا وحقيقة انتصارا للصواب وسعيا في الهدى نسأل الله التوفيق.

الشعر علم

لعلني أبدأ بما استوقفني تأملا واستغرقني تدبرا من قول الله تعالى (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ) والتي ساقها تعالى ردا على من طعن في القرآن بأنه شعر داحضا قولهم المغلوط وموضحا حقيقة ما أتى به النبي الكريم أنه ذكر وقرآن مبين وأنه تعالى لم يعلمه الشعر ولا ينبغي له أن يكون ممن يقول الشعر تأليفا؛ تنزيها للرسالة وحفظا للقرآن. ولأن تأمل الآية كلها قد يحتاج لصفحات فإني أركز الاهتمام هنا على قوله تعالى (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ) لنعلم أن الشعر في حقيقته علم يعلم له مقوماته وخصائصه ومضامينه وأساليبه كأي علم آخر. ولو لم يكن الشعر علما لما أورد تعالى تلك اللفظة تحديدا بدلالاتها اللفظية والفقهية والتوظيفية فالقرآن حجة الله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكون الشعر علما يقتضي بالضرورة تحديدا دلاليا وإلماما إدراكيا بمكونات هذا العلم ومكنوناته. ولأنه تعالى نسب العلم لنفسه في هذا السياق فإن ذلك يوضح حقيقة أن علم الشعر هو علم لدني فوقي يأتي في أساسه بإلهام فطري يختص به الله تعالى من يشاء ابتلاء كأي علم آخر فإما نجا صاحبه بأن يجعله في رضا الرحمن وإما هلك وكان ممن قال فيهم تعالى (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ). ولأن درجات النعم تتفاوت بين عبد وعبد فإن الحاجة لصقل هذا العلم الفطري تتباين من شخص لآخر تبعا لمعطيات كلية وجزئية ، وإنما يكون الصقل بالتمكن من الأدوات التي أساسها اللغة والنحو والوزن.

بين الدلالة والمفهوم

كنت أوضحت أن الخطل ومصدر العلل في إشكالية تعريف الشعر أو معرفته هو الخلط بين الدلالة والمفهوم وأجدر بالعاقل أن يدرك أن الدلالة هي كينونة الأمر وأن المفهوم هو كنهه ، ومتى تعمق المرء في هذه الرؤية اتضحت له الأبعاد ولم تفته الألوان ولا الظلال. إن نعت الإنسان بصفات الإعجاب كأن تقول: هي ملك ، أو أن تقول: هو أسد ، لا يعني بالطبع أنها أصبحت ملكا بالكينونة أو أصبح هو أسدا بالكينونة بل إن الصفة الإنسانية الشكلية والوصفية تظل كما هي بذات الثوابت التي ترسم الملمح الإنساني دون أن تنقص بالكنه المفهوم من الرأي أو الرؤية التي جعلت منها ملكا أو منه أسدا. وفي المقابل إن وصف أحدهم آخر بأنه “حيوان” أو “حائط” فإن ذلك لا يعني أنه انتقل من الكينونة الإنسانية إلى الكينونة الحيوانية أو الجمادية شكلا وإن انتقل إليها وصفا لكنه تصرفه. وبذات المنطق لا يمكن اعتبار الرأي أو الرؤية الذاتية لمفهوم وكنه الشعر دلالة قاطعة بالكينونة شكلا وعقلا فإن مثل هذا القول يخرج من إطار العقل والمنطق ليقع في إطار الهذر والخرق.

كينونة الشعر

يمتاز الشعر العربي بكينونته القوية التي مكنته أن يعيش قرونا وأجيالا ثابتا راسخا يعلو مرة ويهبط أخرى ولكنه حافظ على طبيعته ووجوده باعتباره وبشهادة الآخر أفضل الفنون الأدبية على الإطلاق بتفوق كبير على باقي آداب الشعوب المختلفة ، وأؤكد عليه شخصيا باعتبار كتابتي الشعر بثلاث لغات. وكينونة الشعر العربي المتينة تتميز أساسا بوجود الشكل الشعري الذي يعتمد أساسا على الوزن والجرس ثم اللغة والفكرة ثم العاطفة والبديع. والشكل للعقل إذ إن الأسماء هي للدلالات فلا يمكن أن يقال لك: رأيت جبلا فيرتسم في ذهنك جملا أو حبلا أو ما شابه ولا يعقل أن يقال لك: قتلت فأرا ، فيرتسم في ذهنك أسدا أو حتى جربوعا. بل إن ذكر عبد الرحمن أو سليمان أو فاطمة لا يرسم في مخيلتك الشكل الإنساني فحسب بل وملامح هذا الشخص باسمه الذي ذكر به دليلا على أهمية الاسم في تحديد الشكل ليتم العقل. ولعل الشبه الكبير بين الكلب والذئب في الشكل لم يمنع وجود اسم مختلف باختلاف الشكل ولو كان دقيقا وباختلاف مقومات أخرى كالنباح والعواء وكالغدر والوفاء ، ثم يتدرج التحديد الشكلي الوصفي في ذات الجنس فيكون الذئب القطبي والذئب العربي والذئب الأفريقي وهكذا.

وليس أعجب من قياس يرتكز على حروف اللفظة الدالة محورا فيها الوظيفة الدلالية إلى أخرى بزعم الشبه بما يحدث من خلط يبعده عن الصواب بعد المشرقين. ولعل أشهر ما قيل في مثل هذا اعتبار الشعر من الشعور ليكون في مفهوم الزاعمين بذلك أن كل بيان يحمل شعورا هو شعر وإني لعمري لا أجد شططا في مثل هذا الأمر من هذا القول ذلك أن الشعور هو حالة إنسانية عامة ودائمة ومصاحبة للمرء في جميع أحواله أكان كاتبا أو غير ذلك. والحالة الشعورية تصاحب كاتب الشعر وكاتب النثر وكاتب القصة وكاتب الخطبة وكاتب المقالة وكاتب الرسالة وكاتب العقد وكاتب النقد ، بل وتصاحب كل كلام محكي أو مروي ؛ فإن اعتبر زعمهم فإن البشر كلهم شعراء عربا كانوا أم عجما أصحاب يراع أم أصحاب ذراع ، فهل يعقل هذا أو يقترب من العقل؟ ثم إن اعتبار تشابه الحروف بين الشعر والشعور حيثية لذلك “التعريف” أو الفهم فإن في ذلك إجحاف بحق ألفاظ ألصق شبها كالشَّعرِ وكالشعرى وكالشعار وكالشعير فلم كان الشعور هو ما اختاروا للنسب؟ أليس الشعر أقرب لفظا وشكلا فيكون أكثر الناس شَعرا أقدرهم شِعرا ، فإن كان النسب للشعير فإن خير الشعراء حينها الحمير.

إن الشعر هو اسم دال ولفظة محددة لما عرفه العرب على مدار قرون طويلة ، ولما عرَّفه العلماء وسطرته الكتب والمعاجم بأنه (والشِّعْرُ منظوم القول يتوفر فيه القصد، غلب عليه لشرفه بالوزن والقافية، وقال الأَزهري: الشِّعْرُ القَرِيضُ المحدود بعلامات لا يجاوزها، والجمع أَشعارٌ، وقائلُه شاعِرٌ لأَنه يَشْعُرُ ما لا يَشْعُرُ غيره أَي يعلم.). وأما زعم الشبه فلا يعدو إلا خطأ فادحا ينحو منحى السفه كمن يقول بتشابه دلالات السَّفَر والسِّفر والقَدَر والقِدر والرَّجل والرِّجل والعَجَل والعِجل.

كنه الشعر

“إن الشعر العربي علم محدد ولفظة دالة وحالة إبداعية وفق الدلالات والمفاهيم له بعد فقهي وحكم شرعي يجعلنا نتمسك به من هذا الباب بصفة أكبر حفظا للغة وحفظا للذكر من الخلط وحفظا لذاكرة العرب الطويلة عبر قرون” د. سمير العمري

أما كنه الشعر فهو الذي يتناول المفهوم الفردي للشعر وهنا قد تتباين الآراء وتتعدد المفاهيم بتفضيل أسلوب على آخر أو غرض على أخر أو بتفاوت الأهداف والمآرب أو بتباين الحس والشعور. ولعل تفاوت الأمر وتباين المفاهيم في مثل هذا نابع من اختلاف الطبائع واختلاف التوجهات اختلافا مطلوبا لإثراء الفكر البشري والحس الإنساني وتوفير الحالة التكاملية التي تحتاجها عمارة الأرض تأكيدا لقوله تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ). فاختلاف المفهوم مطلوب ومندوب ونؤكد على أهميته بذات القدر الذي أكدنا على أهمية توحيد المدلول لتوسيع أفق التعاطي الشعري. ولعل من أهم ثمرات هذا التباين وجود الأساليب المختلفة بين تقديم للصرامة اللفظية الموحية أو تقديم للصورة الشعرية المحلقة أو تقديم للجروس بين هادئ متأمل وصاخب مجلجل ، أو المفاضلة بين التناول الفكري المباشر أو التناول الإيحائي الخجول أو بين التناول الفلسفي والتناول المعرفي إلى غير ذلك بما يجعل التشكيل تنويعا مطلوبا ومحبوبا ويسهم في الرقي بالشعر العربي والحفاظ على هيبته وقوته ليظل دوما أقدم وأرقى وسائل التعبير الإنساني.

الشكل الشعري

لعل موجة الحداثة التي طغت على المشهد الأدبي العربي عموما وعلى المشهد الشعري خصوصا خلال العقود الأخيرة والتي لا تهدف إلا لهدم أركان وأسس الشعر العربي الأصيل والخالد حسدا من التفوق وحقدا على اللغة ورغبة سوداء في تشويش الوجدان العربي للخلط بين ألوان التعبير كلها وصولا للخلط بينها وبين القرآن الكريم وتدمير المرتكزات الأخلاقية والحضارية التي يقوم عليها بنيان الوجدان العربي وذائقته الفطرية السليمة يشهد على ذلك المحاولات التي انتشرت تتخذ من ألفاظ بعينها ومعان فاحشة وألفاظ بذيئة وصور خادشة للحياء ، وتحوير ألفاظ القرآن بشكل فيه صفاقة وإساءة وإسفاف قد حاولت التأثير على المشهد الشعري العربي وإسقاطه في إطار التبعية الثقافية والأدبية انسياقا وراء التبعية العلمية التي فرضتها عوامل عدة على العرب في هذا العصر ولكنها لم ولن تفلح أبدا. وإن التناول الحثيث للشكل الشعري والطعن فيه وإعلان التمرد على الخليل بن أحمد وكأن الخليل هو من اخترع الشعر وفرضه يأتي غالبا إما من قاصر عن بلوغ درجات التميز بالمشابهة فيسعى إليها عن طريق المخالفة ، أو مغرض يريد أن يحقق مآرب وأهداف الحملات المغرضة على الأدب العربي طمعا في منصب أو درهم.

ولعل كل عاقل منصف يدرك أن القرآن قد أنزل على النبي الكريم حجة وبرهانا وتحديا بالإعجاز كمعجزات موسى وعيسى وسليمان وباقي الأنبياء الكرام. وما كان سيكون لمعجزة القرآن أي معنى لو لم تنزل في أفضل عصور الفصاحة والبيان بأشكاله وأغراضه بما يؤكد حقيقة أن خير عصور اللغة والأدب والشعر كانت في ذلك الزمن. وبهذا التأصيل يمكن إدراك حقيقة أن أفضل وأقوى وأجمل الأشكال الشعرية هو ما شابه شعر ذلك الزمان شكلا وأسلوبا وتباين مضمونا وأداء وصورا. أما الشكل الشعري الجديد الذي نسميه شعر السطر مقابل شعر البيت الأصيل فهو مما يقبل بشروط أهمها الحفاظ على الأسلوب الشعري والجروس والقافية بشكل يبعده عن النثر بشكل واضح.

وأما ما يسمى بقصيدة النثر فهذا مما لا يقبله منطق ولا يعقله رأي باجتماع النقيضين فما سمي النثر إلا تمييزا للشعر أو ربما كان العكس فلا بأس. أما أن يساق هذا بذاك فهذا مما يكشف سخف الرأي وغلالة الفهم وسوء القصد. وما يمكن أن يكون التقاء بين نقيضين أبدا وهذا أمر مردود على زعمائه لا نقول في المضمون وإنما في النسب وفي الشكل إذ إن من ذلك ما يمثل حالات رائعة للتعبير النثري الأدبي تستحق التقدير كنثر دون نسب للشعر.

ولعله من المهم أن يشار إلى أن جل إن لم يكن كل اللاهثين وراء محاولات التمرد على الشكل الشعري هم من القاصرين على بلوغ درجات الكمال أو التميز كحد أدنى ، وأعجب من هذا دعاوى البعض ممن يخرج كل يوم علينا بإعلانه أنه اكتشف بحرا شعريا جديدا وكأن البحور الجديدة تتماوج حوله من بين كل من عاش ويعيش ولو سألته عن بحور الشعر العربي المعروفة لما عرف منها واحدا إلا لماما وتجده متى كتب نصا حفل بالكسور العروضية ليأتينا ملهما ببحر جديد. أليس المجدد بحاجة لمعرفة شاملة وكاملة بالقديم ، وتميز وإتقان وتفوق في الأداء الأساسي؟؟

قيد من ذهب أم حرية خرقاء؟

ولكم يكثر القول عن أن الإبداع يحتاج الحرية ، وأن العروض والأوزان تكبل الإبداع وتشل يد التميز. ويتحدث أصحاب هذا الزعم عن رغبة في التحليق والانطلاق بدون قيود هذه الأوزان والقوافي ليكون الإبداع وللرقي بالشعر. نقول: إن هذا كلام مغلوط ومردود فالحرية غير التحرر من القيم والضوابط ، والإبداع غير الإتباع والامتناع. الشاعر الحقيقي يشعر بالحرية والتحليق من خلال الالتزام ومن خلال الاحترام لمعطيات الحالة الإبداعية وليس التحرر منها. ولعل كل شاعر حقيقي يدرك السر في هذا “القيد الذهبي” الذي يعين الذهن على التحليق في الخيال بحثا عن معان شاردة ومفردات أكثر تميزا ما كانت تتأتى للخاطر لو لم يكن هناك ضرورة البحث عن ما يناسب الوزن أو القافية.

بين الحداثة والتحديث

أما الحداثة فمصطلح يندرج في قائمة مصطلحات عولمة هذا العصر التي تعتمد التشابه اللفظي للإيحاء بالشبه المعنوي كمصطلح العلمانية الذي يعني في حقيقته معنى وضيعا هو الإلحاد والتبعية ولكن الاختيار اللفظي جاء للإيحاء بارتباطه بمعنى جليل وهو العلم. ولأننا في زمن أزمة المصطلحات فقد تم الخلط أيضا بين الحداثة المدمرة والمرفوضة وبين التحديث والتطوير المطلوب والمندوب. على أن عملية التحديث والتطوير تأتي عادة بشكل تلقائي ودون تعمد تبعا لمؤثرات محيطة وظروف قائمة وثقافة سائدة. والتحديث لا يعني الانقلاب على القديم ومعاداته أو الانسلاخ منه ورفضه ، بل يعني فيما يعني الارتكاز عليه والتصرف فيه بإضافات جديدة ناتجة عن البيئة المحيطة بشكل طبيعي غير قسري ولا متكلف وكذا إعادة توظيف المفردات أو التراكيب لمعان جديدة وصور مبتكرة بكنايات واستعارات وإسقاطات. وعليه فإن فكرة تحديث أو تطوير أي أمر يتطلب بالضرورة الاحتفاظ للقديم والبناء عليه وليس رفضه ودفنه ومعاداته. ولعله من الضروري هنا أن نبين أن عملية التطور الشعري لا تعني البتة تغيير الكينونة بفلسفة نظرية النشوء والاتقاء لدارون والتي ثبت فشلها حتى لمن آمن بها وروجها. إن تغيير الشكل يستوجب تغيير المسمى فلو كان لدى نجار مائدة خشبية ثم رأى أن يحولها إلى كرسي من نفس مادة الخشب وبشبه كبير غير تام في الشكل لا يغيب عنكم فإن الاسم يتغير تبعا لتغير الشكل ، وهذا يعني أن أية دعاوى لتغيير شكل الشكل الشعري إلا في حدود ضيقة جدا يقبلها كتطوير أو تحسين ومن قبل متخصصين وبتوافق وقبول الذائقة له يعتبر تدميرا للشعر أو تحويرا له يخرجه من مسماه إلى مسمى آخر ، ولعلنا لا نحتاج لنكرر ما قلنا آنفا بأننا نقبل ونقدر محاولات أدبية مميزة تعتمد أساليب وقوالب نامية على أن تصنف بمسمى خاص بها فلا تنسب للشعر وهي ليست منه.

لماذا الشعر؟

هو سؤال يفرضه السياق ويحتاج إلى إجابات مقنعات. إن كان الرفض للشعر بشكله وكينونته وأساليبه والحديث الدائب عن قدمه وتخلفه وأنه محنط أو مقيد ، وأنه قاصر عن الإبداع فاشل في الإمتاع فلم التمسك الشديد بالانتساب للشعر والتمسح بأستار أبياته بدعوات مشركة لا يؤمن بها ولا يقبلها؟

لماذا الحرص الكبير على أن ينتسب كل حرف يكتبونه للشعر والشعر منه بريء؟؟ ولماذا الإصرار على الانتساب لأب لم ينسلوا من صلبه؟؟

لماذا لا يقومون بإيجاد شكل أدبي جديد بعيدا عن الشعر بدل الإصرار على تبرع مرفوض لتجديد الشعر؟؟ لماذا لا يسلكون دربا يروق لهم ويتركون الشعر العربي لأهله المقتنعين به المحبين له الذائدين عن حياضه وحدوده؟؟

الجواب لا ريب واضح ومعروف وإن أنكروه. إنهم يريدون أن ينالوا شرف الانتساب للشعر الكريم وأن يتقاسموا إرثه العظيم دونما اجتهاد أو بر أو إحسان ، ودونما التقاء أو انتماء أو إيمان. هو الشعر يعرفونه ويعرفون قدره ويرغبون في الحسناء ولا مهر لديهم فيبخسونها ويعيبونها وما يعيبون إلا أنفسهم وما يشعرون.

إن الشعر العربي علم محدد ولفظة دالة وحالة إبداعية وفق الدلالات والمفاهيم له بعد فقهي وحكم شرعي يجعلنا نتمسك به من هذا الباب بصفة أكبر حفظا للغة وحفظا للذكر من الخلط وحفظا لذاكرة العرب الطويلة عبر قرون ، وهو ببساطة وبدون أية فلسفات وتلاعب على المصطلحات وسيلة من وسائل البيان والتعبير شرفت عن غيرها بالوزن والجرس والقافية وبالبلاغة حباها الله لمن شاء من عباده ابتلاء ، وهو ككل علم يحتاج ثقفا وصقلا وعقلا بمضمون سامق وأسلوب رائق وحرف عابق. ونقول: إن كان هذا الشعر لا يعجب أحدا فلا غضاضة أن يبحث عن سواه بعيدا عنه ودون تمسح بأثوابه ، وإن كان أحد يرغب في أن يتزين بلقب شاعر فعليه أن يسعى في تطوير ملكته الشعرية لا أن يقوده العجز والقصور للتمرد على القواعد الشعرية.

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى